ويعيش الأفراد في مجتمعات يتعرضون فيها لمواقف تساهم في تشكل اتجاهاتهم وأنماط سلوكهم ، فإذا تكونت لدى الأفراد مشاعر سلبية ، فإنهم سيعيشون في بيئات عمل يغلب عليها طابع الصراع والتوتر التنظيمي الذي سوف يؤدي إلى نتيجة حتمية تتمثل في تدني وانخفاض مستوى الولاء والانتماء الوظيفي . أما إذا كانت مشاعر الأفراد ايجابية نتيجة لوجود مناخ تنظيمي سليم فان ذلك سيشجع وينمي عامل الولاء والانتماء الوظيفي لديهم ، ومن ثم ترتفع إنتاجيتهم وبالتالي تستطيع المنظمة المحافظة على بقائها استمرارها وتحقيق أهدافها .
ويؤكد علماء الاجتماع على حقيقة أن للولاء الاجتماعي ثلاث ركائز أساسية إذا توفرت في البيئة التنظيمية فإنها تساعد على تماسك الولاء التنظيمي،وبقائه واستمراريته،وهذه الركائز هي :
1- ركيزة الولاء المستمر.
2- ركيزة الولاء التلاحمي.
3- ركيزة الولاء الموجه.
وتعني الركيزة الأولى أن يكرس الفرد حياته ويضحي بمصالحه لبقاء واستمرارية الجماعة،أما ركيزة الولاء التلاحمي فتشير إلى العلاقات الاجتماعية التي تربط الفرد بغيره بشكل يؤدي إلى تماسك الجماعة واستمراريتها، وأما الركيزة الثالثة فتشير إلى ارتباط الفرد بقيم الجماعة ومبادئها .
ولقد تعددت التعاريف التي توضح مفهوم الولاء التنظيمي، فقد عرفه بعض الباحثين بأنه"اقتران فعال بين الفرد والمنظمة بشكل كبير رغم حصولهم على مردود أقل".
وهناك من عرف الولاء التنظيمي بأنه:" حالة يتمثل فيها الفرد بقيم وأهداف المنظمة، ويرغب الفرد في المحافظة على عضويته فيها لتسهيل تحقيق أهدافه".
ومن خلال النظر لهذين التعريفين حول تعريف الولاء التنظيمي، فإن بالإمكان استخلاص المقومات الأساسية لموضوع الولاء التنظيمي المتمثلة في:
1- قبول أهداف وقيم المنظمة الإدارية.
2- المساهمة بصورة ايجابية لتحقيق أهداف المنظمة الإدارية.
3- توفر مستوى عال من الولاء للتنظيم.
4- الرغبة الشديدة في البقاء والاستمرار في التنظيم القائم.
5- الإخلاص والرغبة في تقييم التنظيم بصورة ايجابية.
وهذه التعاريف وهذه المقومات تدعو إلى استنتاج بعض الجوانب المهمة لفهم الولاء التنظيمي ودراسته دراسة جيدة بشكل يساعد الإدارة على تطوير نماذج تساهم في زيادة آثاره الايجابية الهادفة إلى زيادة الإنتاجية، والاستمرار في البقاء والنجاح، وتتمثل هذه الاستنتاجات في:
1-عندما يظهر لدى الفرد العامل مستوى عال من الولاء التنظيمي تجاه الأفراد العاملين معه وتجاه المنظمة الإدارية التي يعمل بها بشكل يؤدي إلى حدوث تفاعل ايجابي بينه وبين بيئة العمل بما في ذلك الأفراد ، فإن هذا التفاعل لا يترتب عليه انصهار كل صفات الفرد واتجاهاته وقيمه إلا ضمن حدود معينة، بحيث يعمل هذا التفاعل على تهذيب وتلاشي بعض القيم والصفات والأنماط السلوكية غير المحببة والتي لها تأثير كبير على عمل الفرد داخل بيئة عمله.
إن رغبة الفرد واستعداده للتنازل عن بعض القيم والأنماط السلوكية التي قد يكون لها تأثير غير ايجابي على عمله سببها إيمان هذا الفرد وعقيدته ومبادئه الثابتة وإخلاصه للمنظمة التي يعمل فيها، ففي حالة تحقيق هذه الدرجة من التفاعل ، والتي يشعر الفرد فيها بأن أهدافه ستتحقق من خلال عمله وإخلاصه وجده لتحقيق أهداف المنظمة، فإن ذلك دليل على تمتع بيئة العمل بدرجة عالية من الولاء التنظيمي.
2-إن الولاء التنظيمي ومفهومه وطبيعة تركزه على اتجاه واحد، يعد حالة يتحقق فيها التكامل والتوافق بين الفرد والمنظمة، الأمر الذي يترتب عليه التفاعل الايجابي نتيجة للطموح الوظيفي،ورغبة الأفراد في تحقيق النمو والتقدم والعمل على تحقيق أهداف المنظمة.
3-الولاء لا يفرض فرضا على الأفراد العاملين بل هو حالة من الاندماج والتكامل بين الأهداف الموحدة للمجموعة والمنظمة.
الولاء التنظيمي يمكن النظر إليه على أنه المشاعر التي يطورها الفرد الذي يعيش في مجتمع نحو الأفراد والمنظمات والقيم والمبادئ والأفكار، وهذه المشاعر تمثل رغبة الفرد واستعداده لتقديم التضحية لزملائه ومنظمته في العمل. ويشير علماء الاجتماع هنا إلى أن تكرار التفاعل بين الأفراد يؤدي إلى تقوية مشاعرهم نحو المنظمة ونحو بعضهم بصورة ايجابية، ويترتب على المشاعر الايجابية أنماط سلوكية مثل تعاون الفرد والتماسك والرغبة في العمل، أما المشاعر السلبية فإن أنماطها السلوكية تكون على شكل الجفاء والتباعد، والفرقة، والسطحية في الأداء.
وقد بين المختصون في السلوك التنظيمي إن قوة انجذاب الأفراد نحو المنظمة تعتمد على قوة عمليات الاستثمار أو المراهنات التي يحققها أو يحصل عليها الفرد مقابل عمله فيها،ومن هنا فإن مخاطر الفرد الناجمة عن تركه العمل في المنظمة الحالية تزداد بزيادة حقوقه ومكاسبه المشروعة، وهذا يؤدي بالتالي إلى زيادة ولاء الفرد لهذه المنظمة. وبناء على ذلك فإن المنظمات الإدارية تدعم ولاء الأفراد العاملين لها من خلال مشاركتهم في الفوائد والأرباح،فنجاح المنظمة وتحقيق أهدافها يؤدي إلى تحقيق أهدافهم من حيث حصولهم على الفوائد والمكافآت والمكاسب، وهذا يتطلب منهم استمرارية دعم ومساندة ومؤازرة المنظمات للتي يعملون فيها ومساندتها ومؤازرتها.
إن أصحاب هذا الاتجاه في خلق الولاء التنظيمي يطلق عليهم أصحاب المنحنى التبادلي وينظر هؤلاء إلى الولاء التنظيمي في المنظمات التي تعمل بهدف تحقيق الأرباح على أنه ظاهرة تبادلية، تعتمد على معرفة الأفراد وشعورهم وإدراكهم للتوازن بين جهودهم المبذولة والإغراءات المقدمة التي يحصلون عليها.
ومع مرور الوقت فإن الأفراد يرغبون في وضع المراهنات لتقرير ومعرفة مستوى التوازن بين الجهد المبذول ( والتكاليف) والمكافآت التي يحصلون عليها، حيث تزداد مراهنات الأفراد واستثماراتهم في المنظمة بزيادة الخدمة مما يؤدي إلى زيادة تكلفة تركه المنظمة والانتقال إلى منظمة أخرى. وهنا وضمن هذا المفهوم يقدم أصحاب هذا الاتجاه تعريفات عديدة توضح مفهوم الولاء التنظيمي، وقد عرف أصحاب هذا الاتجاه الولاء الــتــنــظيمي بــأنـــه"إيمان الفرد بتبادل الفائدة أو المنفعة المدركة للمشاركة المستمرة في المنظمة ".
وقد قدم آخرون من أصحاب هذا الاتجاه (الاتجاه المتبادل ) تعريفاً للولاء التنظيمي هو أنه "اقتران فعّال بين الفرد والمنظمة، حيث أن الموظفين الموالين لها ، هم الذين يرغبون في إعطاء أنفسهم بعض الشيء مقابل أن يقدموا للمنظمة بشكل ممتاز".
أما أصحاب الاتجاه السلوكي فقد حاولوا توضيح وتعريف الولاء التنظيمي، ووصفه هؤلاء من المنظور الــسلوكــي بأنه" تمثيل الفرد لقيم وأهداف المنظمة الإدارية، وانصهار الفرد داخل بيئة عمله من خلال دوره الوظيفي والتنظيمي، ورغبته واستعداده للعمل والبقاء في بيئة عمله واستعداده لتقديم التنظيمات لصالح المنظمة"، وفي هذا الاتجاه حاول السلوكيون تعريف الولاء التنظيمي"بأنه الاتجاه أو التوجه نحو المنظمة". وفي تعريف آخر بأنه"انجراف الأفراد أو تعلقهم الفعال بأهداف وقيم المنظمة بغض النظر عن القيمة المادية المتحققة من المنظمة".