إدارة الموارد البشرية وتأثيرها على العملية الإنتاجية في المؤسسات
إن إدارة الموارد البشرية بمجمل وظائفها لا ترتبط إرتباطاً مباشراً بالعملية الإنتاجية في المؤسسات, وهذا ما يجعل العديد من المؤسسات لا توليها إهتماماً كافياً, ولكن ما لا يعرفه هؤلاء أن لإدارة الموارد البشرية تأثير مباشر على الإنتاج في أي مؤسسة سواء أكانت انتاجية أو خدماتية.
إن الأداء السليم والوافي لمهام إدارة الموارد البشرية ينعكس بشكل إيجابي على الإنتاج, وهذه ما أثبتته العديد من الدارسات الاجنبية والعربية والتي أكدت وجود علاقة وتأثير إيجابي بين أداء إدارة الموارد البشرية والإنتاج, حيث أظهرت هذه الدراسات أنه كلما كان أداء إدارة الموارد البشرية شاملاً ومتقناً كان إنعكاسه في إرتفاع الإنتاج في المؤسسة, والعكس صحيح من خلال إنخفاض الإنتاج في المؤسسات التي يكون فيها أداء إدارة الموارد البشرية ضعيفاً أو مجتزءً.
يبقى السؤال كيف لإدارة الموارد البشرية التي لا دور لها في العملية الإنتاجية في المؤسسات أن تكون من المؤثرات الأساسية على إرتفاع أو إنخفاض الإنتاج في المؤسسات وهذا ما سوف نبيّنه بشكل مقتضب في هذا المقال.
إن العنصر المشترك بين إدارة الموارد البشرية والعملية الإنتاجية هو العنصر البشري, فالعنصر البشري هو محور عمل إدارة الموارد البشرية وفي نفس الوقت هو المحرك الأساسي للعملية الإنتاجية ومن هنا يبدأ الإرتباط الذي سوف نستعرضه من منطلق بعض الوظائف الأساسية لإدارة الموارد البشرية:
1- الإختيار والتعيين (Recruitment & Selection) :
كل وظيفة وخاصة الوظائف المتعلقة بالعملية الإنتاجية لها متطلبات خاصة يجب أن تتوفر في من يشغلها, وبما أن من وظائف إدارة الموارد البشرية تحديد هذه المتطلبات فإن التحديد السليم لهذه المتطلبات هو الخطوة الاولى في سبيل تحقيق أهداف العملية الإنتاجية المرجوة, حيث تتبع هذه الخطوة عملية إختيار الموظف المناسب التي تتوافق مواصفاته من حيث المعرفة, المهارة, الخبرة والمواصفات الذاتية مع هذه المتطلبات المحددة للوظيفة. فالإختيار السليم للموظف وفق مبدأ الشخص المناسب للمكان المناسب هو الذي يؤدي إلى الأداء المطلوب في أي وظيفة, وبما أن الأداء هو الوقود للعملية الإنتاجية فإن دور إدارة الموادر البشرية في الإختيار السليم وفق متطلبات وظيفية محددة هو المؤثر الأول على العملية الانتاجية.
2- تخطيط القوى العاملة (Workforce Planning):
تخطيط القوى العاملة رغم أهميته يعتبر من أكثر وظائف إدارة الموارد البشرية المهمشة, أما مضمونه فيقضي بتحديد حاجة المؤسسة الفعلية من العنصر البشري كماً ونوعاً خلال فترة زمنية محددة, ويتم ذلك من خلال قياس الطلب والعرض على المورد البشري في المؤسسة والمواءمة بينهم من خلال سد الفجوة بإتخاذ عدة سيناريوهات معاجلة, هذا في ما خص المفهوم.
أما في ما يتعلق بإرتباط وظيفة تخطيط القوى العاملة بالعملية الإنتاجية في المؤسسات فسوف نبينه من خلال النقاط التالية:
- إن من أهدف تخطيط القوى العاملة تحديد حاجة المؤسسات من العنصر البشري في وظيفة ما كماً ونوعاً أي بمعنى آخر تسعى من خلال دراسة إستراتيجية المؤسسة إلى تحديد الكم والنوع من هذا العنصر البشري المناسب لتحقيق الأهداف المرجوة لهذه المؤسسة والتي تعتبر أي عملية إنتاجية في المؤسسة جزءً منها, فتسعى المؤسسة الى تامين هذا الكم والنوع من العنصر البشري المطلوب وفق الاوقات المحددة المرتبطة بالحاجة.
- من خلال تخطيط القوى العاملة يمكن لإدارة الموارد البشرية تحديد وضعية الموظفين داخل المؤسسة والتي يستفاد منها في دراسة حالات ترك أو تسرب وظيفي محتمل تكون المؤسسة مستعدة له ولا يشكل لها عنصر مفاجئ يؤثر سلباً على الحركية داخلها.
3- التحليل الوظيفي (Job Analysis):
من أهم الوظائف في مجال إدارة الموارد البشرية وهي تعتبر الوظيفة التأسيسية التي تشكل مدخل لباقي وظائف هذه الإدارة, حيث تستطيع المؤسسة من خلال التحليل الوظيفي تحديد العديد من العنصر البشري المناسب للوظائف في المؤسسة فلا تقع في مشكلة البطالة المقنعة التي تشكل إستنزاف على مستوى الوقت والمال للمؤسسة مما ينعكس بالتأكيد على العجلة الإنتاجية في المؤسسة ويؤدي إلى زيادة في نفقات المؤسسة التي هي بغنى عنها, إضافة إلى عدم وقوع المؤسسة في توظيف عديد من العنصر البشري أقل مما هو مطلوب فتقع في مشكلة أخرى وهي عدم الوصول الى الطاقة الإنتاجية المطلوبة بسبب عدم وجود العدد المناسب من الموظفين, فيأتي هنا التحليل لتحديد العدد السليم من الموظفين المطلوبين وفق الطاقة الإنتاجية المطلوبة.
ومن نتائج التحليل الوظيفي وجود وصف وظيفي لكل وظيفة, يحدد فيه الصلاحيات والمسؤوليات إضافة الى المتطلبات الوظيفية, يسهل عملية الإختيار المناسب للموظف كما ذكر سابقاً.
4- التدريب والتطوير (Training & Development):
إن الإختيار السليم للموظفين في المؤسسات ولو كان العملية الأهم والمؤثر الأبرز على العملية الإنتاجية في المؤسسة كما أوضحنا سابقاً, إلا انه لا يعني توقف دور إدارة الموارد البشرية عند هذا الحد بل هناك العديد من الوظائف اللاحقة لعملية التوظيف أبرزها التدريب والتطوير.
إن التطور الذي يشهده العالم في كافة المجالات أجبر المؤسسات مهما كان مجال عملها على مواكبة هذا التطور للمحافظة على وجودها ونموها, وهنا لا بد من أن يواكب الموظفون هذا التطور الحاصل في مؤسساتهم وذلك كي لا ينعكس ذلك بشكل سلبي على مستوى أدائهم والذي بشكل طبيعي يرتبط بالعملية الإنتاجية, فيأتي دور إدارة الموراد البشرية لتحديد الإحتياجات التدريبية للموظفين داخل المؤسسة من خلال حاجات المؤسسة نفسها وحاجات الموظف العملية فلا يكون الموظف غير مواكب للتطور داخل المؤسسة, ولايكون تدريبه عشوائي بشكل لا يخدم مصلحة المؤسسة ومصلحته أيضاً.
5- تقييم الأداء (Performance Appraisal):
وظيفة تقييم الأداء ولو أنها تطبق في بعض المؤسسات إلا أن الأهدف المرجوة من هذه الوظيفة تؤخذ بمنحى آخر, فالهدف المرجو من عملية تقييم الأداء بالدرجة الأولى ليس المحاسبة والعقاب وهذا ما يعطي صورة سلبية عن هذه الوظيفة ويجعلها في بعض الأحيان شبحاً يرعب الموظفون مما يبعد إدارة الموارد البشرية كل البعد عن أصل وجودها وهي العلاقات الإنسانية والإهتمام بالعنصر البشري.
أما الهدف الحقيقي المرجو من تقييم الأداء هو تحديد الخلل والضعف في الأداء, الذي له إنعكاس على العملية الإنتاجية بشكل خاص كون الأداء هو المحرك الأساسي للعملية الإنتاجية في المؤسسات, وتحديد أسباب هذا الخلل والضعف وذلك بهدف وضع سبل علاجه لتقليص الفجوة بين الأداء المطلوب والأداء الفعلي للوصول الى الإنتاج المرجو في المؤسسات.
6- تخطيط المسارات الوظيفية ((Career Path Planning:
من المفاهيم والوظائف الحديثة في إدارة الموارد البشرية ومن النادر أن نجد مؤسسة تعمد إلى تطبيق هذه الوظيفة, ويكمن أن يعود السبب إلى عدم المعرفة أو الترويج الجيد لهذا المفهوم وأهميته على المؤسسات, ولهذا سوف نستعرض بشكل مختصر مفهوم هذه الوظيفة.
يعنى تخطيط المسارات الوظيفية بشكل أساسي برسم خريطة التطور والترقية للموظفين في الشركة وذلك من لحظة دخولهم إليها وحتى خروجهم منها, أكان تقاعداً أو غيره.
ينطلق هذا التخطيط من تحديد الوظائف الأساسية والحساسة في المؤسسة والتي تسمى وظائف مفتاحية, ثم المعلومات الأساسية عن كل موظف والإمكانات التي يملكها وتؤهله لشغور وظائف أخرى وخاصة تلك التي هي في مستوى إداري أعلى, مروراً بتحديد الكفايات التدريبية التي يحتاجها كل موظف للنجاح في هذا المسار المخطط له, حتى يصل بنتائجه الى تحديد البدائل لهذه الوظائف المفتاحية في المؤسسة.
من هنا سوف نستعرض أهمية هذه الوظيفة على الحركة الإنتاجية في المؤسسات, لعل من أكثر ما يعطل الحركة الإنتاجية هو الترك المفاجئ (بسبب ترك عمل, تقاعد, وفاة ...) لموظفين معينين لوظائفهم وخاصة في الوظائف المفتاحية دون وجود بديلٍ ملمٍ بكامل مهام هذه الوظيفة وأسرارها, يجعل العجلة الإنتاجية تتوقف أو تبطئ لفترة زمنية تتراوح وفق أهمية الوظيفة التي باتت خالية فجأة, ولكن إن كان هناك بديل جاهز مدرب لإستلام هذه الوظيفة بكافة جوانبها وخباياها لن تشعر المؤسسة بأي خلل وستستمر العجلة الإنتاجية في نفس الوتيرة ويمكن أن تتطور أكثر وفق قدرات الوافد الجديد القديم إلى هذه الوظيفة.
7- التحفيز والرضا الوظيفي ((Motivation & Job Satisfaction:
لعل هذه الوظيفة من اكثر الوظائف المعروفة بتأثيرها على أداء وإنتاج المؤسسات, وقد أثبتت آلاف الدراسات وجود هذا الترابط الوثيق بين الرضا الوظيفي وأداء الموظفين وصولاً الى الحركة الإنتاجية, ونرى العديد من المؤسسات التي تعمد إلى التحفيز وتحقيق الرضا الوظيفي لرفع مستوى الأداء لدى الموظفين, ولكن بالنهاية نرى أن معظم هذه المؤسسات لا تحقق الأهداف المرجوة من عملية التحفيز بل أحياناً تنعكس سلباً على الحركة الإنتاجية, والسبب يعود إلى التطبيق الخاطئ لهذه الوظيفة, فالتحفيز بحاجة إلى تحديد لحاجات ورغابات الموظفين بعدها يتم التحفيز على هذا الأساس مما يؤدي الى الوصول الى الرضا الوظيفي الذي ينعكس بشكل مباشر على أداء الموظفين وأداء المؤسسة بشكل عام.
عليه لا يمكن أن يكون التحفيز مادياً دائماً ولا معنوياً دائماً بل هو مرتبط بحاجات الموظف, والتحفيز الخطأ المغاير لحاجات الموظف لا يؤدي الى الرضا الوظيفي بل أحيانا يكون له أثر سبلي على أداء الموظف وأداء وانتاجية المؤسسة.
8- الصحة والسلامة المهنية ((Occupational Safety & Health:
إن بيئة العمل السليمة التي يشعر الموظف فيها بالراحة والأمان هي من أهم المؤثرات على أدائه, وهنا يأتي دور إدارة الموارد البشرية في تأمين هذه البيئة من خلال وظيفة الصحة والسلامة المهنية والتي تقوم تحديد المخاطر المحتملة في الوظيفة وإتخاذ الإجراءات الوقائية المناسبة لمواجهتها.
وحين نتحدث عن بيئة العمل السليمة فيقصد بذلك كافة الأمور المتعلقة بمكان العمل, إنطلاقاً من أصغر التفاصيل كالإضاءة وصولاً الى أدق التفاصيل وخاصة في الوظائف التي تعتبر فيها نسبة المخاطر مرتفعة.
إذاً لابد لإدارة الموارد البشرية من تأمين بيئة عمل مستقرة, سليمة, مريحة وتراعي كافة الإجراءات الوقائية في مواجهة أي مخاطر محتملة وذلك بهدف التأثير والمحافظة على الأداء المطلوب من الموظفين في تحريك العجلة الإنتاجية بما يخدم أهداف المؤسسة.
إن ما تم ذكره من وظائف لإدارة الموارد البشرية هي من اكثر الوظائف تأثيراً على الحركة الإنتاجية في المؤسسات, علماً أن هناك العديد من الوظائف الأخرى ولكن لم نتطرق إليها لدورها الثانوي في مجال نقاشنا رغم أنه لا يمكن إنكار هذا الدور الثانوي أيضا وأهميته.
وختاماً لقد حاولنا من خلال ما تقدم تبيان أهمية إدارة الموارد البشرية في المؤسسات والدور الذي تلعبه في التأثير على الحركة الإنتاجية من خلال أداء الموظفين, ولهذا السبب يجب على المؤسسات منح هذه الوظيفة أهمية أكثر والسماح لها بأخذ الدور الإستراتيجي المنوط بها من خلال منحها الصلاحيات اللازمة في غاية تحقيق أهدافها والتي سوف يكون لها دور وتأثير مباشر على تطور ونمو المؤسسة.
بقلم عضو نقابة المتخصصين في إدارة الموارد البشرية حسين كرنيب